”الأميرة وحبة البازلاء”
"الأميرة وحبة البازلاء: اختبار السلالة الملكية في لوحات خالدة"
تخيل أنك تقف في قصر فخم، حيث تلمع الشموع وتنهمر الظلال على الجدران الحجرية المزخرفة، وفي هذه الأجواء الصامتة والمهيبة يتم التحضير لاختبار لا يعرفه إلا أصحاب الدماء الملكية الحقيقية. إنهم يختبرون الحساسية، ولكن ليس الحساسية للأشياء الواضحة بل الحساسية تجاه أشياء لا يكاد أحد يلاحظها، شيء صغير مثل حبة بازلاء!
في لوحة الفنان البريطاني وليام
هنري مارجتسون، تكتمل صورة الأميرات الخيالية في أبهى حللها. الأميرة التي تبدو مستلقية على سرير من مراتب متراكمة، تكشف لنا سرها الذي يتحدى الوصف. بين طبقات السرير السميكة وحرائر الأغطية المخملية، يختبئ لغز صغير، حبة بازلاء لا تكاد تُرى، لكنها كفيلة بفضح الحقيقة.
تروي القصة الأسطورية أن الأميرة يجب أن تمر بهذا الاختبار الغريب لتُثبت أنها من عرق ملكي نقي، وأن حساسيتها المفرطة لهذه الحبة الصغيرة تحت عشرين مرتبة وعشرين بطانية هي برهان لا جدال فيه على أصالة دمها الملكي.
لوحة مارجتسون، برسوماتها الناعمة وألوانها الدافئة، تأخذنا إلى عوالم القرون الوسطى، حيث كان الاعتقاد سائداً بأن النبلاء يتمتعون بصفات نادرة، ومنها هذا الحس العجيب تجاه أدق التفاصيل. من النظرة الأولى، قد تبدو الأميرة مستريحة، لكن تدرجات الضوء والظل في تفاصيل اللوحة تكشف توتراً خفياً، وكأنها ترفض أن تخضع لهذه الظروف غير المريحة.
هنا يكمن عنصر التشويق: كيف يمكن لشيء صغير مثل حبة بازلاء أن يحدد المصير الملكي لشخص ما؟ هل حقاً النبلاء يتمتعون بحساسية مختلفة عن الآخرين؟ ولماذا اختار أندرسن، مؤلف القصة الأصلية، هذا العنصر الغريب كاختبار للدماء الملكية؟
يمتلك مارجتسون، بفضل لمسته الفنية، قدرة عجيبة على نقل الحكاية وجعلنا نعيش تفاصيلها. وكأنه يخبرنا أن النبلاء ليسوا فقط أصحاب المظاهر والترف، بل هم أيضاً أصحاب قدرات خفية تجعلهم يشعرون بما لا يشعر به العامة، حتى ولو كانت مجرد حبة بازلاء تحت المراتب.
وهكذا تظل لوحة "الأميرة وحبة البازلاء" شاهداً على حكاية مدهشة تمزج بين الفانتازيا وعمق الفكرة. إنها ليست مجرد قصة أطفال، بل هي اختبار لإدراكنا لمعنى النبل، وتساءل دائم حول هل حقاً يتميز ذوو الدماء النبيلة عن غيرهم بهذه الحساسية الخارقة، أم أن الأمر مجرد خيال رسام وكاتب؟